بمُباركة الحكومة وبنك المغرب.. الأبناك تربح 20 مليار سنتيم سنويا من الدعم المباشر الذي أمر الملك محمد السادس تخصيصه لـ"فقراء المملكة"

 بمُباركة الحكومة وبنك المغرب.. الأبناك تربح 20 مليار سنتيم سنويا من الدعم المباشر الذي أمر الملك محمد السادس تخصيصه لـ"فقراء المملكة"
الصحيفة - خولة اجعيفري
السبت 13 يناير 2024 - 15:32

بات في حُكم الأمر الواقع والمؤكد، الاقتطاعات الكبيرة للوكالات البنكية الوطنية من القيمة المالية لصرف الدعم المباشر الذي خُصِصَ بمبادرة ملكية، لمليون أسرة، مستوفية لشرط العتبة في السجل الاجتماعي الموحد، أي ما يعادل 3,5 مليون مغربي في وضعية هشاشة.

ووفق المعطيات الرسمية التي حصلت عليها "الصحيفة" من بنك المغرب، فقد تم تسقيف المصاريف المطبقة سواء عند استلام التحويل أو عند القيام بالسحب النقدي في ثمانية دراهم فيما يخص العمليات التي لا تتجاوز 500 درهم، و16 درهم فيما يخص المبالغ بين 501 – 1000 درهم و 24 درهم فيما يخص المبالغ بين 1001 – 2000 درهم، "وهذه المصاريف شاملة للضريبة" وفق تأكيدات المصدر ذاته.

ومع هذه الاقتطاعات، تحصلت الأبناك المغربية التي تم الاتفاق معها ضمن هذه العملية الاجتماعية التي أقرهات عاهل البلاد للفئات الأكثر هشاشة، على أرباح خيالية بملايين الدراهم، وبمباركة الحكومة، والبنك المركزي المغربي.

وجسّدت هذه الاقتطاعات تضاربا واضحا بين أهداف برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، ذو الأثر الاجتماعي، والقائم على آلية صون كرامة المواطنين، من خلال دخل قار يؤمن الحد الأدنى من متطلبات الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، وبين السياسات العمومية التي تقودها الحكومة من أجل تنزيله، في اتفاق هذه الأخيرة مع بنك المغرب، على فرض اقتطاعات من حساب الفئة المستهدفة والمعنية بالبرنامج، لصالح القطاع البنكي.

هذه الاقتطاعات، وفق ما كشفه بنك المغرب في جوابه على استفسارات كتابية لـ "الصحيفة"، جاءت كنتيجة لتعبير القطاع البنكي بما فيه بنوك ومؤسسات الأداء، عن رغبته في الانخراط في تنفيذ برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، حيث قامت تحت إشراف "بنك المغرب" بالتنسيق مع مديرية الميزانية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية بوضع عرض بنكي اجتماعي، وصفته بـ "الأدنى" لفائدة المستفيدين من هذا البرنامج، مشيرة إلى أنها أخذت "بعين الاعتبار خصوصيات الفئة المستهدفة وأهداف هذا البرنامج الذي يروم مساعدة الأسر التي تنتمي إلى الطبقات الفقيرة والهشة".

وهذه المطامح الوردية المرتبطة بما وُصف بـ "العرض البنكي الاجتماعي الذي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الفئة المستهدفة"، التي تنتمي أساسا إلى الطبقة الهشة، تبيّن أنها تتنافى والأرقام والمعطيات الرسمية التي حصلت عليها "الصحيفة" من بنك المغرب نفسه، إذ تحصلت الأبناك على ملايين الدراهم من جيب المواطن، وخزينة الدولة.

والعرض الذي تم تطبيقه بعد التشاور مع مديرية الميزانية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، لتبقى البنوك المعنية ومؤسسات الأداء في إطار قواعد المنافسة الحرة، من أهم خصائصه أن يكون عرض أدنى من طرف البنوك للحساب البنكي بسعر لا يتجاوز 60 درهم سنويا أي 5 دراهم شهريا بما في ذلك الضريبة.

وبناء عليه، تم تسقيف المصاريف المطبقة، سواء عند استلام التحويل أو عند القيام بالسحب النقدي في ثمانية دراهم فيما يخص العمليات التي لا تتجاوز 500 درهم، وهو ما يعني أن هذه الفئة ستتوصل بـ 492 درهما فقط، والباقي ربح صاف لصالح البنك.

أما المغاربة المعنيين بالدعم المباشر الذي تتراوح قيمته ما بين 501 و1000 درهم، فستقتطع الأبناك حوالي 16 درهما من إجمالي القيمة، وهو ما يعني أن المعنيين بـ 501 سيتوصلون فقط بـ 485 درهما أي أقل من الفئة الأولى أساسا.

في حين، هناك فئة ثالثة التي تُعتبر في نظر الدولة الأكثر هشاشة وحاجة، وذلك بناء على المؤشرات الاجتماعية، فتتراوح مبالغ دعمها ما بين 1001 و2000 درهما، وسيشملها أيضا اقتطاع بقيمة 24 درهما من إجمالي قيمة الدعم المالي المقدم شامل للضريبة.

ويتم تطبيق هذه المصاريف من طرف بعض المؤسسات عند التوصل بالتحويل والبعض الآخر عند السحب حسب النموذج التشغيلي لهذه المؤسسات، ويُبرر بنك المغرب هذه المصاريف بكونها "تغطي كلفة إنجاز هذه العمليات من طرف البنوك ومؤسسات الأداء، وكذلك أجرة وكلاء مؤسسات الأداء التي تلعب دور وكالات للقرب تتخذ شكل مقاولات وطنية يشتغل فيها، في الغالب، الشباب في صورة ذاتية".

وخصّصت الحكومة ميزانية تبلغ 25 مليار درهم من أجل تنزيل هذا البرنامج الاجتماعي برسم سنة 2024، لتصل إلى 29 مليار درهم سنويا ابتداء من سنة 2026، إذ تتواصل منذ 28 دجنبر الماضي في مختلف ربوع المملكة، عملية تقديم الدفعة الأولى من الدعم الاجتماعي المباشر للأسر في وضعية هشاشة والتي تستهدف حوالي مليون أسرة أي ما يُقارب 3,5 مليون مغربي، استوفى شرط العتبة في السجل الاجتماعي الموحد، فيما توصلت البوابة الإلكترونية الخاصة بهذا الدعم بما يقارب 2,9 مليون طلب استفادة.

وبلغ عدد الأسر التي استفادت من هذا البرنامج إلى حدود الإثنين الماضي، وفق تقديرات رئيس الحكومة مليون و4 آلاف و400 أسرة، من دفعات برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، الذي انطلق يوم 28 دجنبر الماضي، كما أن الغلاف المالي الذي تم صرفه للأسر المستفيدة فاق 524 مليون درهم.

وحسابيا، إذا قسّمنا ما ستتحصل عليه مليون أسرة من هذا الدعم الاجتماعي على ثلاث فئات، بما أن تحديد رقم كل فئة لم تفصح عنه الحكومة، سنجد أن الأبناك ستربح مع الفئة الأولى التي ستتحصل على 500 درهم شهريا، ما مجموعه 2.7 مليون درهم شهريا عند اقتطاع 8 دراهم من الدعم الذي ستتحصل عليه، في حين ستربح مع الفئة الثانية 5.4 مليون درهم شهريا، عند اقتطاع 16 درهم من الدعم التي ستتحصل عليه، والمحدد في 1000 درهم، في حين ستربح مع الفئة الثالثة الأكثر هشاشة 16 مليون درهم عند اقتطاع 24 درهم من 2000 درهم التي ستjحصل عليها هذه الفئة.

إجمالا سنجد أن الأبناك ستربح 193 مليون درهم، أي ما يقارب 20 مليار سنتتيم، من هذا الدعم الاجتماعي الذي طالب الملك محمد السادس أن يخصص للفئات الأكثر هشاشة في البلاد لمواجهة الصعوبات الحياتية، غير أن الوقائع تؤكد أن الأبناك ستجني كأرباح 20 مليار سنتيم سنويا كاقتطاعات من فقراء المملكة، بالرغم من أن روح العملية برمتها اجتماعي.

وتعليقا على ما سبق، قال أستاذ العلوم الاقتصادي، والخبير والمحلل الاقتصادي عز الدين أقصبي، إن الوكالات البنكية كان من المفترض أن تكون في مقدمة أولى المجندين لتنزيل هذا الورش الملكي الذي يندرج في إطار إرساء أسس مفهوم الدولة الاجتماعية وتثبيته في السياسات العمومية بالمغرب، مستنكرا تطبيقها لاقتطاعات من هذا الحجم.

وأوضح أقصبي، في تصريح خصّ به "الصحيفة"، بأن مشروع الدعم المباشر الذي تناقشه الدولة منذ 15 عاما، يروم مساعدة الناس والفئات الأكثر هشاشة اجتماعيا واقتصاديا، بيد أن معطياته وطرائق تنزيله الحالية "هزيلة جدا"، وأكثر من ذلك يضيف الخبير الاقتصادي "ما يُعطي باليد اليمنى يُؤخذ باليد اليسرى، سيما وقد برمجت الحكومة في أبريل المقبل قرار رفع الدعم عن الغاز وغيره من القرارات التي ستضر العائلات المغربية سيّما المعنية بهذا الدعم الاجتماعي الضئيل في ظل ارتفاع التكلفة".

وشدّد الكاتب العام السابق لـ "ترانسبارينسي"، على أن المؤسسات البنكية، كان من المفترض أن تكون تحت الدولة، وتُسهّل مأمورية هذه الفئة من الدعم بدون اقتطاعات وكما قررت ميزانية الدولة، بما معناه أن تكون خدمة عمومية، وبالتالي الدولة يجب أن تقوم به وليس شركات بمعاملات تجارية..".

وتناغما مع قراءات الخبير الاقتصادي عز الدين أقصبي، يرى رئيس المرصد الحكومي والخبير الاقتصادي، محمد جدري أن الدعم الاجتماعي المباشر يُشكل نقطة فارقة بالنسبة لتنزيل أسس الدولة الاجتماعية، والذي يتنافى مع ما تُقدم عليه المؤسسات البنكية.

وأوضح جدري، في تصريح لـ "الصحيفة"، اليوم نرى بأن المؤسسات البنكية ومؤسسات تحويل الأموال تقتطع رسوما لهذه العمليات التي تبقى ومن الناحية القانونية "رسوما مشروعة"، لكن الأمر هنا يتعلق بملايين العمليات كل نهاية الشهر.

ونبّه الخبير في الشؤون الاقتصادية، إلى أنه "كان يجب أن يحضر الجانب الأخلاقي لهذه المؤسسات قبل الجانب المالي، لكي تطبق رسوما بتكلفة معقولة لا تتعدى بضعة دراهم عوض الرسوم التي تم تطبيقها حاليا في اتفاق مع البنك المركزي" مضيفا: "عموما، هذه الرسوم لن تشكل عبأ بالنسبة للأسر لكنها سوف تدر ملايين الدراهم على هذا القطاع شبه الاحتكاري".

ووجه إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، سؤالا كتابيا إلى وزيرة الاقتصاد والمالية، حول الإشكاليات التي واجهت الأسر في الحصول على الدعم الاجتماعي المباشر، مسجلا أن الاقتطاعات المالية من قيمة الدعم المباشر للأسر في دفعته الأولى، أثارت غضب هذه الأسر، وأن هناك وكالات بنكية ووكالات لتحويل الأموال اقتطعت عمولات وصلت إلى 15 درها في بعض المناطق، مما يعني بأن المستفيدين توصلوا بمبلغ أقل مما أعلنت عنه الحكومة، مؤكدا أن الحكومة لم تخبر الأسر باقتطاع هذه العمولات، متسائلا عن السند القانوني لهذه الاقتطاعات.

ويعتبر نظام الدعم الاجتماعي المباشر، الذي يأتي تجسيدا للتوجيهات الملكية الواردة في الخطاب الذي ألقاه االعاهل المغربي أمام البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، برنامجا يهدف إلى تحسين الوضع المعيشي للأسر التي لديها أطفال في سن التمدرس أو تلك التي توجد في وضعية هشاشة، والتي لا تستفيد حاليا من أي تعويضات عائلية وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، وذلك بهدف دعم قدرتها الشرائية.

غصّة بنكيران

لا يُفوت رئيس الحكومة الأسبق، والأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" الحالي، عبد الإله بنكيران، فرصة إلاّ ويرمي بكل التعب النفسي الذي مازال يحمله في دواخله منذ "البلوكاج الحكومي" الذي تلا ...

استطلاع رأي

من تُرشح ليكون أفضل لاعب مغاربي لسنة 2024؟

Loading...